الثلاثاء 18 ذو القعدة 1423 هـ الموافق 21 يناير 2003 وسط توافد الزائرين له من تلاميذه للاطمئنان على صحته اوفد حسني مبارك الرئيس المصري امس اللواء اسامة منتصر كبير الياوران للاطمئنان على صحة المشير محمد عبدالغني الجمسي وزير الدفاع الاسبق، الذي يرقد منذ اسبوع في مستشفى كوبري القبة العسكري، في حالة غيبوبة تامة. والزائرون للعسكري الكبير أغلبهم من تلاميذه في العسكرية المصرية، ومحبيه من أبناء الشعب المصري وحتى ظهر أمس الاثنين.. استقرت حالة الجمسي الذي يرتبط اسمه بحرب أكتوبر 1973، وهي الحرب التي تعد الأمجد في تاريخ العسكرية المصرية والعربية، ويحتل الجمسي في قلوب المصريين مكانة كبيرة لارتباطه بهذه الحرب من ناحية،، وتواضعه الجم من ناحية أخرى، أما تلاميذه فيذهبون في تقديره الى حد وصفه بالعبقرية العسكرية، وبقدر ما للمشير من حكايات في العسكرية والحروب، له حكايات أخرى فيما ذهب اليه السادات من تقارب مع اسرائيل بعد انتصارات حرب أكتوبر. وفي مذكراته يذكر اسماعيل فهمي وزير الخارجية الأسبق الذي قدم استقالته للسادات احتجاجا على مبادرته بالسفر الى القدس عام 1977، أنه وعلى أحد أطراف مائدة مفاوضات فض الاشتباك الأول في 18 يناير عام 1974 جلس وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنغر.. وعلى الطرف الآخر جلس المشير الجمسي، والذي أدار وجهه للحائط تاركا دموعه تنزل فاقترب منه كيسنغر، متساءلا.. لماذا تبكي يا جنرال؟ وأكمل قائلا في محاولة لمواساته «إن القادة الاسرائيليين اعترفوا لي بأنهم يخشون «الجنرال الجمسي» أكثر من كل القادة العسكريين العرب الآخرين». كانت دموع الجمسي على ما وافق عليه السادات في فض الاشتباك بسحب 1000 دبابة و70 ألف جندي مصري من شرق القناة.. تخرج محمد عبدالغني الجمسي في الكلية الحربية سنة 1939وهو من مواليد محافظة المنوفية، وتدرج في الوظائف العسكرية، حتى أصبح وزيرا للحربية بعد حرب أكتوبر 1973، مرورا بقيادة هيئة التدريب فرئاسة هيئة عمليات القوات المسلحة ورئيسا للمخابرات الحربية، وهو الموقع الذي شغله في سنة 1972، ولم يتركه إلا أثناء الحرب، ليشغل منصب رئيس الأركان. ونال الجمسي رتبة الفريق ونجمة الشرف العسكرية في احتفال مهيب بمجلس الشعب المصري حضره الرئيس السادات والعقيد معمر القذافي وذلك قبل تعيينه وزيرا للحربية سنة 1975، ليظل في موقعه حتى أكتوبر 1978، حين قرر اعتزال الحياة السياسية. ويرى اللواء أركان حرب متقاعد صلاح سليم أن المشير الجمسي جمع بين التفوق في مهام المخابرات الحربية والتخطيط العسكري، ويندر أن يجتمعا في قائد عسكري، وبصفة خاصة في دول العالم الثالث. فالجمسي كان ضابط مخابرات متميزاً، قبل توليه قيادة المخابرات الحربية، ونجح من خلالها في رصد تحركات قوات العدو الاسرائيلي على الجبهة بعد نكسة 1967 وأفادت المعلومات التي جمعتها المخابرات تحت قيادته في نجاح حرب الاستنزاف 68 ـ 1970 في تحقيق اهدافها وهو ما رشحه بعد ذلك لتولي مسئولية اعداد تدريب الجيش المصري قبل حرب أكتوبر 1973 وهي الفترة التي انتقل فيها الجيش من حالة الدفاع النشط الى الاستعداد لعبور قناة السويس وتحرير سيناء. ويضيف سليم بأنه «العقل المدبر لحرب أكتوبر» حيث تحمل عبء اعداد خطة العمليات «بدر» وتفاصيلها الدقيقة، مثل تحديد يوم العبور وساعة الصفر، وهي المهمات التي لم يكن ليتحملها سوى رجل من طراز فريد مثل الجمسي الذي تجلت براعته أيضا في التنسيق الاستراتيجي بين الجيشين السوري والمصري، في سابقة لم تتكرر في تاريخ العسكرية العربية الحديثة. ويضيف سليم: حدد الجمسي شهر أكتوبر كأنسب موعد لبدء الهجوم المصري السوري لكثرة الأعياد اليهودية فيه ـ 8 أعياد ـ وموافقته شهر رمضان، وهو ما ساعد على نجاح الخداع الاستراتيجي بالاضافة لملاءمة شهر أكتوبر للقتال في الجبهة السورية قبل موسم تساقط الثلوج في نوفمبر، واختار الجمسي السادس من أكتوبر لموافقته «يوم عيد الغفران» المقدس عند اليهود والذي تتوقف فيه الحياة داخل «اسرائيل» مما يؤخر تعبئة قوات العدو، وحدد الجمسى ساعة الصفر في الثانية بعد الظهر، والذي تواجه فيه الشمس أعين العدو وهو ما يعطي الميزة للمدفعية المصرية، واجمل الجمسي كل ملاحظاته في كشكول «ابنته» وسلمه للسادات. شهدت حرب أكتوبر ثغرة الدفرسوار وهي الثغرة التي أحدثت خلافا أدى الى الفراق بين السادات والفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة والذي أقاله السادات أثناء الحرب ليتولى الجمسي منصبه، ويقول اللواء صلاح سليم إن الجمسي وضع خطة لتصفيتها، وأطلق عليها الخطة «شامل» وحدد 20 يناير 1974 موعدا لبدء تنفيذها، لكن أجهضها السادات بموافقته على فك الاشتباك الأول، عقب زيارة كيسنغر للقاهرة. ويقول اللواء متقاعد صبري العشري والذي عمل لفترة تحت قيادة الجمسي أن اشتراك الجمسي في مفاوضات الكيلو 101 مع الوفد الاسرائيلي، من الأعمال الهامة في حياته، قبل المفاوضات حيث قرر الجمسي ألا يبدأ بالتحية العسكرية للجنرال ياريف ـ رئيس الوفد الاسرائيلي ـ وألا يصافحه ـ وهو ما حدث فعلا ـ وهو الموقف الذي يراه اللواء متقاعد صبري العشري بأن الجمسي مثل فيه نموذجا للعسكري المصري الصلب. ويذكرالمصريون وكل القوى السياسية للرجل أنه وأثناء مظاهرات 18 و19 يناير عام 1977 والمعروفة باسم مظاهرات الطعام، رفض أن ينزل الجيش الى الشارع، إدراكا منه بخطورة مثل هذا الأمر ولم يعجب السادات هذا، فخرج بعدها من الخدمة الى الحياة المدنية.